رحلة المعراج
" تأملات رقمية في السرعة والمسافة "
د. عبدالله المسند
من المسلّم به عند كل مسلم أن حادثة الإسراء والمعراج الحادثة المعجزة جزء من سيرة المصطفى .. والتكذيب بها كفر بالقرآن والسنة. إن حادثة الإسراء والمعراج منعطف كبير ومهم في سيرة المجتبى .. رحلة المعراج فريدة بل ويتيمة في تاريخ البشر فلم ولن تتكرر والله أعلم .. رحلة جمعت أفضل البشر مع أفضل الملائكة ليعرج به إلى أين ؟ .. وأي طريق سلكوا ؟ .. وأي وسيلة ركبوا ؟ .. وأي سرعة بلغوا ؟ .. اللهم إني آمنت بالله رباً .. وبالإسلام ديناً .. وبمحمد رسولاً ونبياً ... وأن الإسراء حق و أن المعراج حق فاحشرني مع المؤمنين.
قصة المعراج قصة عجيبة وفي نظري أغرب ما روي من السيرة النبوية .. قصة معجزة وخارقة لنواميس الكون قاطبة ربطت الأرض بالسماء و الأحياء بالأموات والقريب بالبعيد والإنسان بالملائكة والحاضر بالماضي والحاضر بالمستقبل بل ربطت بين الدنيا والآخرة .. لم تحدث لأحد من قبله وفقاً للنقل وربما لن تحدث لأحد من بعده .. بل ولم يزعم أو يتجاسر أحد من الدجالين أنه عرج به كما عُرج بمحمد عليه الصلاة والسلام .. حادثة فريدة غريبة في زمانها ومكانها وفصولها حتى دفعت قريشاً للكذب دون تردد .. بل وحتى لو حصلت في عصرنا هذا عصر النانو والذرة لكذب بها أكثر أهل الأرض إلا من فتح الله عليه { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .. قصة المعراج بأي سرعة تمت ؟ .. وأي مسافة قطعت ؟ .. سؤالان محيران !! .. قال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فدعونا نتفكر ونتأمل ونتدبر جانباً من جوانب القصة هي السرعة والمسافة.
لنضرب مثالاً يجسد الفكرة : المسافة المستقيمة بين مكة المكرمة والقدس الشريف حوالي 1200كم .. ولنفترض جدلاً أنها فقط 1000كم .. سيقطعها الإنسان راجلاً في 200 ساعة متواصلة تقريباً بسرعة 5 كم/ساعة .. بينما تقطعها الدراجة الهوائية في 50 ساعة بسرعة 20 كم/ساعة .. بينما تقطعها السيارة بعشر ساعات فقط بسرعة 100كم/ساعة ويقطعها القطار السريع في 3.3 ساعة بسرعة 300 كم/ساعة .. بينما الطائرة تقطعها بساعة واحدة عندما تكون سرعتها 1000 كم/ساعة .. بينما طائرة الميراج على - سبيل المثال - تقطعها في 50 دقيقة بسرعة الصوت 1200كم/ساعة .. وفي سرعة دخول مكوك الفضاء إلى الأرض ( 26000 كم/ساعة ) تُقطع المسافة بين مكة والقدس بـ دقيقتين فقط .. وبأعلى سرعة اخترعها الإنسان هي سرعة سفينة الفضاء وتبلغ ( 54400 كم/ساعة ) تستغرق الرحلة بين المدينتين فقط دقيقة واحدة.
وأخيراً لندع السرعة التقليدية ونحسب وفقاً لأسرع سرعة عرفها الإنسان إنها سرعة الضوءLightspeed وتعادل 1079252848كم/ساعة وتقطع المسافة بين المدينتين في 0.0000006 جزء من جزء من الثانية أي أسرع من لمح البصر فسبحان الذي بيده ملكوت السموات والأرض .. منها ندرك ما هية سرعة الضوء .. فدعونا نستخدم تلك السرعة الرهيبة والتي ( لو ) إستخدمها الإنسان جدلاً للسفر من مكة إلى نيويورك والمسافة بينهما ( 10000كم ) بسرعة الضوء لقطعها فقط بـ 0.000006 جزء من الثانية أي أسرع من لمح البصر .. بينما لو استخدمت السرعة نفسها للسفر إلى القمر ومعدل بعده عن الأرض حوالي 381706 كم لقطعت المسافة بـ 0.0002 أي بثانيتين تقريباً
ولو سافر الإنسان بسرعة الضوء إلى الشمس التي تبعد عن الأرض بمتوسط 149600000كم لاستغرقت الرحلة 0.08 أي ثمان دقائق فقط .. بينما الرحلة بين كوكب الأرض وأبعد كوكب في المجموعة الشمسية بلوتو ( 5900000000 كم ) على السرعة نفسها تستغرق 3:28 ثلاث ساعات و ثمان وعشرون دقيقة .. فلك أن تتخيل تلك المسافة البينية الهائلة بين كوكبي الأرض وبلوتو لدرجة أن السرعة التي ستقلك من مكة إلى نيويورك ( سرعة الضوء ) تستغرق معها لمح البصر بينما بين الكوكبين ثلاث ساعات وثمان وعشرون دقيقة { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَ }.
ولك أن تتخيل ضعفنا وحجمنا نحن سكان الأرض فلو سافر الإنسان بسرعة سفينة الفضاء كما أسلفنا وتبلغ ( 54400 كم/ساعة ) لاستغرقت الرحلة بين الكوكبين 65074 ساعة أي 2711 يوما أي سبع سنين ونصف فقط للوصول إلى كوكب بلوتو!! { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.[center]